امي …
لقد عدلت عن احلامي … فأنا لا اريد ان اموت شهيدا الان … لا اريد ان اموت فدا وطن تشرب شوارعه دمائي فلا ترتوي … وتلتهم سكك حديده اشلائي فلا تشبع …
وطن … سيحاول مسح دمعك بالمال … انني لا اريد ان اموت … فأخَوَن …ثم يتبع نبأ وفاتي نوبات شماتة كريهة … لو كنت مازلت حيا لانتحرت علي اثرها … امي انني لا اريد ان اموت شهيدا … فأنا لا اطمح ان اراكِ تلتفين بالسواد جسدا وروحا … وتتحدثين عني في لقاء مع مذيع متأثر … وتبكين ثم تبكين … ولم يبقي لكِ إلا فراشي الفارغ … وانفاسي في كل اركان المنزل تعذبك … تتحسسين جبهتك التي اعتدت تقبيلها … وتتمنين لو تلمسها شفتاي مرة اخري … اخيرة
امي … انني لا اريد تركك وقد اثقلت روحك الاحزان علي فراق ابن … يزعم انه مات من اجل وطنه الذي لم ولن يعبأ بموته … انت من ستتألمين … انت من ستبللين وسادتي بدموعك !!
انه انت ! من ستدفن جزء من فؤادها معي … انني كنت ابغي الموت فدا وطني … ولكنني لم اقصد الموت وانا في طريقي الي المدرسة !! …
انني كنت ابغي الموت فدا وطني … قبل ان يبتغي الحكام موت الوطن فدا سلطانهم المطلق الزائل …
اردت الاستشهاد من اجل وطن … يعلم معني فراقي … ولا يختزل ذكراي في شهادة وفاة وتعويض او في جدارية وتكريم هزلي ينسي …
الا يعلم الناس ثمن نوم شاب في العشرين او اصغر … في تابوت خشبي الي الابد !!! الا يعلمون كم هو غال ثمن فراقي لمن احب !!! الا يعلمون انني لم اكن افكر الا في حرية ارضي … الا يعلمون يا امي انني كنت اشيد قصور احلامي … لترتفع للسماء !! والان !! هدمت حتي الاحلام
امي انني لا اريد ان اموت شهيدا … وانا علي يقين ان سيل دمي لن يغير شيئا … فليبكوا عليَ في الميادين او ينوحوا … فسيعلق اسمي في ذاكرتهم لفترة … ثم في النهاية … أُنسي … ولا يبقي من يتعذب سواك امي …
ماذا استفيد بموتي الا ان اسمح لكي بالانضمام لصف امهات ثكالي … سهرن ليرين ابنائهن شبابا يشرح قلوبهن … فإذ بفلذات اكبادهن يشيبون قبلهن … بموتهم وطرحهم في قبور موحشة … فبدلا من ان تموت الام بشيبتها … ويحملها ابنها اللي المثوي الاخير … الان هي التي تتقدم موكب تقديمه كقربان للتراب … بلا اي جدوي … فيفترسه … وقلبها معه …
لقد عدلت عن فكرتي … فلن اصبح شهيد تشجيع او قطارات او عقارات سكنية … ولن ابقي شهيد حق لن يأتي ايضا … فما ابخس سعري وانا حي فهل سيقدرون لجثماني ثمنا اغلي عندما افارق الحياة !!
لقد تراجعت … لا اريد ان اصبح شهيدا … فأنت اولي بي من الموت يا امي …
انني حقا لا اريد