جاءوا … ومكثوا طويلا !! … لا !! لقد كانوا علي عجلة من امرهم … فنفذوا مهمتهم وذهبوا مسرعين … حتي انهم سبقوا ظلالهم … رحلوا هم وتركوا لي ظلالهم تنوح بجانبي … تبكي علي … فتزيدني الما …
عندما جاءوا … كنت انا … وحيدا وسط هذه الجلبة في الميدان … لم ادرك متي كانت لحظة قدومهم … لم الحظه … فقد كنت اهيم عشقا فيما صنعت يداي … اسير متبخترا استعرض كم هو جميل ونبيل صنيعي في ارضي … ثم انوح هنيهة علي من فارقونا وقد كانوا الرفقاء الاوحدون …
وفي المجمل … انشغلت انا بحالي واحوالي وانجازاتي فتجاهلت مَن حولي … من اين يأتون و اللي اين هم ماضون … و من هم في الاساس … والأهم … ماذا كانوا يفعلون !!
...........................
ما علمته بعد ذلك انني لم اكن اشعر بهم علي الاطلاق … وهم يتراقصون حولي في خبث خام مغلف بابتسامات صفراء وسعادة اكثر اصفرارا … يرقصون رقصة !! من اهم طقوسهم انذاك … ومازالت … اشعلوا نارا … ثم بدأوا يتلون دساتير دينهم المستجد … وظلوا يقتربون … و يحومون حولي في دائرة … كلما علت اصوات عباداتهم وصلواتهم كلما ازدادت ضيقا عليَ … الي ان !! اظلمت سمائي واقتربت انفاس الموت الباردة من قلبي وضلوعي …
.............................
والان … تحولت حروفي الي انات … وكلماتي الي اهات متواصلة لا تنقطع ولو انقطعت انفاسي حتي … صار الالم … هو سيد كل شعور لدي … بل انه استعبد ما تبقي من المشاعر الاخري … صرت مشوه النفس و الجسد والروح … إن تراني !! لا تستطيع ان تجزم اذا كنت انسانا حيا ام انني شبح مستقبلك القاتم !! ام انني مجرد جثة مهترئة هاربة من جحيمها …
لم يمنوا علي ويميتوني سريعا !! فلا اشعر الا بوخزة الموت تأخذ روحي فقط !! … بل انهم تفننوا في اذاقتي الموت بمره وعدم اعطائي اياه … فاقتطعوا نصف عقلي … فلا نعمت بالعقل ولا هنئت بعيش الحيوانات بلا عقل اصلا فارتاح !! … تركوني معذبا !! … بنصف ذاكرة ونصف ذكريات ونصف تركيز ونصف وعي … والعجيب الذي زادني وحشة … ان كل ما ترك لي هو ما يكفي ليعذب ما تبقي مني … في ما تبقي من ساعاتي او ايامي : كل مرة حملت فيها اشلاء ضحية سابقة لهم … وكل مرة دفنت اخري وانتحبت علي فراق حبيب وطن ضاع … ولم اكن ادري حينها هل ضاع الحبيب ام الضائع هو الوطن … اقتطعوا نصف ابصاري فصرت بعين واحدة … و صرت لا اري الا انعكاس كائني الخرافي علي وجوههم … اقتطعوا نصف قدرتي علي الحركة … بيد وساق !! … فغدوت عاجزا بائسا … اذا لقبت بانسان قد يخجل اللقب مني !! او يشمئز من حالي … وبعد ان حملت وساعدت من كانوا بحاجة للمساعدة قبلا … صرت اُحمل بشفقة علي ايادي من لا يزالوا اصحاء …
استخدموا -هم- في كل هذا … منشارا وسكينا وشفرات حادة … واشياء اخري لم اتبينها
وقبلها … اقتطعوا نصف مشاعري -او ربما كلها- فبعد ان كنت اهلع واجزع من رؤية دماء في ركن بعيد … صارت رؤيتها بالنسبة لي روتينا !! و من كثرة ما زُف الي نبأ موت الرفاق تباعا … صرت معتادا علي سماعه … بل احيانا انتظره …فالموت في حالات بعضهم … ارحم بهم من نور دنيانا المعتم …
فصرت انا !! بعد ليلة زفافي الي الموت التي لم تكتمل … ورحلة الانين و الالم الذي يجاوز القدرات …
صرت انا !! نصف انسان !!!
وما تبقي مني … لا يصلح الا ليكون وقودا … لمدفأة تزيل بردوة ارض رواها دمي وقبله دماء كثيرون غيري
وبعد ان انجزوا مهامهم فيَ في وقت قياسي … وبعد ان صموا اذانهم و اعموا انظارهم عن مشاهد تفتتي واحتضاري البطئ … وبعد ان بخلوا علي … حتي ان يضعوا لسلسال ايامي البائس حدا فأموت !! … فروا … و ظل ما بقي مني … واستفقت لاجدني نصف شئ … لا يمت لأي فصيلة من اي كائن خلق … كم صرت بشعا … تجسد في القبح … اسكثر هؤلاء فيَ الحياة !! كما استخسروا فيَ الموت !!!! …
ولكنني في وهني والمي … ادركت ان في عالمي … لا يقدر علي فعل مثل هذه الافعال … الا من هم ببساطة …
تجار دين !!
وفي اخر ما قالت عباراتي … المبتورة مثلها مثل روحي وجسدي … : عجلوا مشكورين هم بنهايتي …انني الان … كثوب رث … حتي الرقع ستنفر منه … انني مثل عجوز تناوب شباب حي علي اغتصابها … فماتت في ركن نائي … ولم يشعر بها احد …
فرجاء … عندما يكتمل موتي … استخدموا حطامي حطبا يدفئ ارضي … لربما … تشتم نسيم حرية … بذل من قتلوني جهودا لاعدامه …
لربما تشتم نسيم حرية … بت انا اقاتل في سبيله دهرا !! … لعلها تتنسمه فتدفأ … وتتحرر …
واذكروا انهم … بلا دين … شوهوني … حتي صرت …
… نصف انسان !!