Saturday 17 May 2014

نسيمٌ رمادي

"تشكي … مش هاسأل عليك
  تبكي … مش هارحم عينيك"

هكذا كان ينبعث صوت أم كُلثوم من الهاتف المحمول … جالساً علي كرسي قد وُضِع له خصيصاً بجانب طاولتهما

هذان العجوزان … يجلسان متقابلين يلعبان "الطاولة" بحماسٍ شديد …
وتنطلق منهما من حين لأخر صيحات … تارة تدل علي نصر مبين كمن فتح بلاداً للمسلمين … وتارة علي هزيمة نكراء.

تداعب نسائم الهواء الليلية -الرمادية- اللطيفة وجهيهما … تماماً كما صار وجودهما -الرمادي- يداعب الحياة …
فعجوزان في مثل هذا العمر … تنحصر حياتهما في قراءة الصحف نهاراً والتسامر مع اصدقاء العمر والشيبة ليلاً … وملاقاة الأبناء والأحفاد اسبوعياً او شهرياً (إذا قست القلوب)
فأضحي وجودهما يعمل عمل نسيم الليل في النفوس … يداعبها بل أحيانا يريحها ولكنه رماديٌ لا يغير شيئاً ولا يؤثر تأثير رياح العاصفة مثلاً …

ومثلما كان الحماس في نفسيهما متقداً للفوز في لعبةٍ , كان أقصي ما يرجوانه وهما علي أعتاب النهاية … هو أن يتمتعا لأقصي حدٍ برؤية احفادهما
فأولئك الأحفاد … هم الإنجاز الأوضح والأوحد -تقريباً- لأجدادٍ انقادوا منذ الشباب في دائرة الحياة التقليدية المُفرَغة مُرغمين أو بإرادتهم الكاملة …

تُري هل فعلا في سنوات معيشتهما ما يستحق ان يُخَلَد ويُقرأ أو يُسمع بعد وفاتهما مثلما تشدو أم كُلثوم الأن بعد عقودٍ من رحيلها …

أسيخرُج من زهورهما رحيقٌ دائمٌ … يعطر الهواء والأرواح ويكسر رتابة مستقبلٍ -علي ما يبدو- مُكرر … مثلما يكسر شدو أم كُلثوم رتابة ليلتهما …

هل قاما بما يُرجع التأثير لنسماتهما بعد ان ذَبُل مفعولها بطول سنين حياتهما … فترجع لتؤثر وتُحرك النفوس كما تحرك رياح "الخماسين" الأشجار" بل -ومجازاً- توقظها من غفوتها … في نفس الوقت من العام (كل عام).

"إنني اريد حياةً تبقي …
  أريد صفحةٌ لا تُطْويَ …
  بل يُسَطَر -فيها- كل يوم بعد رحيلي …
  لحنٌ جديدٌ … يُطِرِب مَن يسمع
  ويترك صداه في ارجاء نَفس السامع … دهراً "